نشر بتاريخ: 2019-06-30
حظيت اللغة العربية ، لغة الضاد بمكانة مرموقة قديماً وحديثاً؛ ذلك بأنها لغة القرآن الكريم ، وقد ولدت ناضجة لم تمر في مرحلة التكوين أو الطفولة وإنما جاءت كاملة بأصواتها وصرفها ونحوها ، ولا نغالي إذا قلنا أن نظامها الحالي قد أخذت منه اللغات قاطبة وقعدت لغاتها ، واللغة التي تربو على 12 مليون مفردة قد كتب لها البقاء والاستمرار على مر الأزمان وكرور الأيام ، وهي لغة أهل الجنة ، وتكلم بها آدم عليه السلام ، وحري بنا أن نواكب المستجدات اللغوية العالمية ونقرأ آخر ما توصل إليه العلماء والباحثون في سبر غورها والإبحار بحثاً عن دررها ولآلئها الكامنة ، وقد درس النحويون قديماً اللغة العربية ووضعوا لها نحوها وصرفها ، وجاء اللغويون ليبحثوا في أصل نشأتها ، فنشأ عن ذلك ثلاث نظريات : الأولى تقول: إنها توقيفية ، والثانية تقول: إنها إصلاحية توفيقية ، والنظرية الثالثة تقول : إنها محاكاة لأصوات في الطبيعة، ولا تزال الدراسات التي تهتم بفقه اللغة تواصل مسيرة القدماء بما يستجد عن عقلية المحدثين ، وعلاوة على ذلك جاء علم اللغة وفتح أفاقاً جديداً في هذا الخضم ، فهو العلم الذي لم يتطرق إلى دراسة عمودية في اللغة العربية فقهاً وتحليلاً وتأويلاً ، وإنما نظر بشكل أفقي إلى اللغات قاطبة سواء أكانت السامية (الأصح تسميتها باللغات الجزرية نسبة للجزيرة العربية إذ أن تسمية السامية غربية ومضللة، إضافة الى أنه لا يوجد تاريخيا الشخصضية الأسطورية المسماة سام-نقطة) منها أم الهندو أوربية ، وقل : اللغات كافة، ودراسة مكانة اللغة العربية بين هذه اللغات العالمية المنتشرة في أصقاع المعمورة ، ودراسة أوجه التشابه والاختلاف دراسة مقارنة؛ ليصل إلى حقيقة مفادها أن اللغة العربية هي أم اللغات ، وهي اللغة الأم وستبقى لغة الأم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. ومن الدراسات التي رأت تواصلاً بين اللغة العربية وباقي اللغات العالمية ، فقد أشار بعض الباحثين إلى أن اللغات التي يتحدث بها شعوب الشرق الأقصى من اليابان والصين بها جذور ولواصق عربية ناجمة عن حركة التجارة التي سادت يوماً بين بحر العرب والمحيط أو بين حضرموت واليابان ، بين حمير وغيرها من الشعوب ، كما أن اللغة العربية كانت في مكة ثم انتشرت إلى شمال الجزيرة ، وقصة سيدنا إبراهيم القادم من لغة أشورية وبابلية وكلدانية لم يحتج إلى مترجم وهو يعبر المناطق وصولاً إلى فلسطين ، وقد شبهت تلك اللغات باللهجات المنتشرة عبر الدول العربية ، ولا يحتاج من يسافر من فلسطين إلى المغرب العربية إلى ترجمان سوى من تعديل لأصوات بعض المفردات التي يسمعها لترجع ثانية إلى حضن أمها الدافئ اللغة العربية ، فمن يروم الجزيرة يجد كلمة الدريشة ، والجيم التي تنطق ياء ، ومن يتوجه إلى مصر يجد الجيم التي تنطق جيماً مصرية ، ولعل ذلك يجده في اليمن ، لكن بالدراسة الصوتية الفطرية المبرمج عليها الدماغ سرعان ما يكشف المعنى ويخاطب بسهولة دونما واسطة من مترجم بشري أو إلكتروني . وحتى نوكد ما نرمي إليه نجد في اللغات السامية لغة حية هي اللغة العربية وعبرية ما هي إلا لهجة فيها ، فمن يدرك أن العبرية تخلو منها الأصوات المطبقة يستطيع تحوير بعض الأصوات في الكلمة المسموعة لتصبح عربية بحثة ، فمثلاً حرف الظاء لم نجده في العبرية ونجد تغيراً صوتياً طرأ عليه من خلال صوت جديد يخاله السامع أقصى الدلالة جانباً وعند الكشف عنه يجد الكلمة ترجع إلى أصلها العربي ، فكلمة ظبي تلفظ بصوت ( تسبي) والتاء والسين أخذت من الألمانية ، ولو أبدلنا التاء والسين لتصبح ظاء رجعت المفردة إلى حظيرتها اللغوية اللغة العربية ، والأمثلة مطردة في العبرية ، والمجال لا يتسع لحصر هذه المفردات فهي كثيرة وقد رصدت في عشر قواعد ، ومنها الأحرف المطبقة السابق ذكرها وأمثلتها ( ظبي ، وظل ، وضد ، ضلع ، صدق ) ، بإبدال الأحرف المطبقة بالحرف المركب (اتس) لتستحيل ( تسبي، وتسل ، وتسد ، وتسلع ، تسديق) ، وهي كلمات عبرية بتغير صوتي فقط ، ومنها أيضاً الثاء العربية شين عبرية ( ثوم ، ثور ) لتستحيل ( شوم ، شور ) ، وكذلك الغين إلى عين ( غزة ، ثغر ) لتستحيل ( عزة ، وشعر بعد تحويل الثاء إلى شين وتعني بوابة أو فتحة ) ... ومن هنا نستنتج أن التغير الصوتي هو الذي جعلنا نعتقد أن الكلمة خرجت من دائرتها الأولى دائرة اللغة العربية ، وهذا يتفق مع ما قاله مهند الفلوجي عندما درس ما يربو على 3000 جذر في اللغة الإنجليزية يمكن تأصيله في علم التأثيل أو التـأصيل ( الايتمولوجي ) وإرجاعه إلى اللغة الأم اللغة العربية من خلال معجمه الموسوم بالفردوس، فكلمة ( جيرل) التي تعني فتاة يمكن أن نرجعها إلى ( جارية ) العربية ، وكلمة ( ارث) ترجع إلى الأرض وهكذا ، وهذا يتفق مع ما قاله سعيد الشربيني الذي نادى بضرورة تعليم اللغات وفق أصواتها وليس وفق حروفها ، وقد ذكر 44 صوتاً في الإنجليزية ، و37 صوتاً في العربية ، وقد كان رائداً في علم اللغة الكوني الذي منهجه التعليم بالصوت معتبراً أن اللغة العربية هي الأم، وأن البقاء لها على سائر اللغات، وأكد ذلك من خلال قيام الباحثين بكتابة الأبحاث الأصيلة والدائمة باللغة العربية بوصفها اللغة الباقية بعد موت اللغات وانتشار ما أطلق عليه الشربيني ( كوليرا اللغات) وأن عدد اللغات كان 1000 لغة وبموتها بقيت 601 منها على قيد الحياة ، وأن العالم كان يتوقع موت لغة كل سنة والآن التوقع بموت لغة كل أسبوع. ولعل من المفيد أن نذكر أن اللغة العربية هي الوحيدة التي تكون في الجانب الأيمن من الفص الدماغي وفق الرنين المغناطيسي بعد تكبير الدماع 35 مليون مرة ، وهذا مما يجعلها تتميز عن باقي اللغات التي يكون الفص الأيسر مكمنها، واليمين هو الباقي والمحمود في الثقافة العربية والدينية ، وهذا مما دعا كثير من العلماء أن يعلنوا إسلامهم . ومن الطريف والجديد أن الشربيني يطرح فكرة رائعة تتعلق بالأصوات اللغوية في أن الراء هي روح اللغة ، واللغة التي تفقد حرف الراء يكتب لها الفناء والزوال ، وهذا ما يتفق مع اهتمام علماء التجويد بحرف الراء بين التفخيم والترقيق لأهمية الراء التي تعد صوت لا يحمل ملامح تمييزية عند تفخيمه بل ملامح صوتية يتفق وعلم الأصوات . أما عن عدد الأصوات التي تفوق العربية فيرجع ذلك إلى انشقاق في حرف الباء وهو جذر اللغة ، ففي الإنجليزية نجد له ثلاثة أشكال ، وفي العبرية ثلاثة أشكال أيضاً ، وبهذا الإنشقاق تتعرض اللغة إلى الزوال ، بينما في العربية بقي محافظاً على شكل واحد ، وصوت واحد، وهذا ما يبشر ببقاء اللغة العربية وديمومتها.
اللغة العربية وعلم اللغة الكوني بقلم: سلامة عودة اللغة العربية وعلم اللغة الكوني